في 21 تموز الماضي، أي منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، حمل سفير دولة الكويت في لبنان عبد العال القناعي، رسالة من حكومة الكويت الى الحكومة اللبنانية تدعوها فيها الى ممارسة مسؤولياتها تجاه وقف التصرفات غير المسؤولة التي يمارسها طرف لبناني بحق الكويت، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع هذه الممارسات من قبل هذا الطرف، واتخاذ الاجراءات حفاظًا على علاقات الأخوة القائمة بين البلدين الشقيقين.
كان ذلك يوم جمعة، ولو لم تكن الرسالة على قدر كبير من الأهمية والخطورة، لَما كان السفير الكويتي سلّم الرسالة في يوم العطلة، وأهم ما في هذه الرسالة عبارة: وإفادة حكومة الكويت بالإجراءات.
وبينما كانت هذه الرسالة تُسلّم في بيروت، كان يُعلَن في الكويت ان السلطات الكويتية أمهلت السفير الإيراني لديها 48 يومًا لمغادرة البلاد، بعد إعلامها رسميًا عن خفض عدد دبلوماسيي السفارة الإيرانية.
وجاءت هذه التطورات بعد حكم التمييز الصادر في الكويت على أفراد خلية العبدلي حيث جاء في نص الحكم ان المتهمين كانوا يتدربون في لبنان ويجتمعون في السفارة الإيرانية في الكويت.
مرّت ثلاثة أسابيع على هذه الرسالة، فلم يُحرّك لبنان ساكنًا، لأنه كالعادة يدفن رأسه في الرمال، وأكثر من ذلك، وبالتزامن مع الاستفاقة اللبنانية لوجوب التحرك، كان يُعلَن في الكويت أول من أمس السبت انه في عملية نوعية لوزارة الداخلية الكويتية، وصفها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بأنها عمل مضنٍ ودؤوب يتميز بالكفاءة والتفاني، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 12 من أعضاء خلية العبدلي.
هكذا لبنان يكافئ أشقاءه ولا سيما منهم دول الخليج، والكويت مثال الشقيق الذي يحفظ كل الود للبنان من الراحل الكبير الوالد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت السابق طيب الله ثراه، الذي كانت له الأيادي البيضاء في تطوير العلاقات اللبنانية - الكويتية، الى امير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي قاد الديبلوماسية الهادئة والمنتجة على مدى نصف قرن فوضع الكويت في مصاف الدولة التي يشعر فيها كل عربي بأنها وطنه، وتسلّم سدّة المسؤولية فكان خير خلف لخير سلف لكونه الوالد والحاضن والمحب والودود وصاحب القلب الكبير والعقل الرائد، الى رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح صاحب الفضل في استقرار الكويت رغم كل الأعاصير والشدائد التي تعتريها.
صاحب السمو، امير دولة الكويت، يعرف لبنان عن ظهر قلب، فهو منذ كان وزيرًا للخارجية، وله في رويسات صوفر، وعلى تلة جميلة تطلّ على بيروت، قصرٌ تمّ بناؤه في ستينيات القرن الماضي، وكان لا يترك صيفًا إلاّ ويمضيه فيه مع عائلته. في تلك الأيام، كان لبنان في أوج عمرانه ونهضته وازدهاره.
ومن شدّة ثقة الكويتيين بلبنان آنذاك، فقد استثمروا في لبنان في تلك المنطقة، سواء في فنادق أو في مؤسسات ومتاجر، ويحفظ اللبنانيون في هذا المجال اسماء فنادق لا مارتين وأمباسادور وفندق الساحة وفور بوينتس، كما يحفظون متاجر كثيرة في شوارع بحمدون.
كانت الكويت دائمًا الى جانب لبنان، سياسيًا وديبلوماسيًا وإغاثيًا وماليًا:
صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد، تسلّم رئاسة اللجنة السداسية العربية التي جالت على الدول العربية لإيجاد حل للأزمة اللبنانية، ويشهد قصر بيان في الكويت على استضافة الكويت لقادة لبنانيين قبل بدء مرحلة اللجنة الثلاثية العليا واتفاق الطائف، كما ان منزل أمير دولة الكويت في تونس، وكان يومها وزيرًا للخارجية، شهد لقاءات بين قادة لبنانيين لرأب الصدع.
لم يكتفِ الكويتيون بالحراك الديبلوماسي والحراك السياسي، بل كانت لهم أياد بيضاء في مساعدة لبنان سواء عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أو عبر الجمعية الكويتية للإغاثة، وتشهد الكثير من المناطق اللبنانية، سواء الجسور والاوتوسترادات على خير الكويت عبر الصندوق الكويتي.
إن الكويت بكل هذه العطاءات، تستحق من لبنان أكثر من اهتمام، ومن العيب ألا نبادلها الإهتمام الاّ بعد رسالة.
فأمير دولة الكويت، وعلى رغم ما أصاب الكويت من خلية العبدلي التي تدرّبَ أعضاؤها في لبنان، احتضن الوفد اللبناني برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي جاءت زيارته بمثابة رد لبنان الرسمي للكويت، ليس من لبنان، بل من طرف لا يوافق لبنان الرسمي ولا الشعبي على تصرفاته في حق الأشقاء الذين بذلوا ولا يزالون كل ما هو ممكن من أجل ترسيخ العلاقات الأخوية والتاريخية بين لبنان والكويت. والأمل كل الأمل أن تعود هذه العلاقات الى سابق عهدها، فيكون لبنان الشقيق الأصغر للكويت، وتكون الكويت الحاضنة والراعية سواء للبنانيين في الكويت وللبنانيين عمومًا.